الكركم: الذهب الأصفر في عالم الطب البديل

الكركم: الذهب الأصفر في عالم الطب البديل
المؤلف صحة وحياة
تاريخ النشر
آخر تحديث


لطالما عُرف الكركم، أو "الذهب الأصفر" كما يُلقب، بأكثر من مجرد توابل تضفي لونًا ونكهة مميزة على أطباقنا. فمنذ آلاف السنين، احتل الكركم مكانة مرموقة في أنظمة الطب التقليدي حول العالم، خاصةً في الطب الهندي القديم (الأيورفيدا) والطب الصيني التقليدي، وذلك بفضل خصائصه العلاجية المذهلة. ومع التطور العلمي، بدأت الأبحاث الحديثة تلقي الضوء على المكونات النشطة في الكركم وتأكيد فعاليته في مكافحة العديد من الأمراض، مما جعله نجمًا ساطعًا في قسم الطب البديل.

ما هو الكركم؟

الكركم (الاسم العلمي: Curcuma longa) هو نبات عشبي ينتمي إلى فصيلة الزنجبيليات، وموطنه الأصلي جنوب شرق آسيا. الجزء المستخدم من النبات هو الريزوم أو الجذر، الذي يُجفف ويُطحن ليتحول إلى المسحوق الأصفر الزاهي الذي نعرفه. المكون النشط الرئيسي في الكركم، والمسؤول عن معظم فوائده الصحية، هو مجموعة من المركبات تُعرف باسم الكركمينويدات (Curcuminoids)، وأهمها على الإطلاق هو الكركمين (Curcumin).

الكركمين: سر قوة الكركم

يُعد الكركمين المركب الأكثر دراسة في الكركم، وقد أظهرت الأبحاث العديدة خصائصه القوية المضادة للالتهابات والمضادة للأكسدة. لكن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الكركمين يمتص بشكل ضعيف جدًا في الجسم عند تناوله بمفرده. ولتحسين امتصاصه، يُنصح غالبًا بتناوله مع البيبرين (Piperine)، وهو مركب موجود في الفلفل الأسود، حيث يمكن للبيبرين أن يزيد من التوافر البيولوجي للكركمين بشكل كبير.

الفوائد الصحية للكركم المدعومة بالأبحاث

تُشير العديد من الدراسات إلى أن الكركم، بفضل الكركمين، يمتلك مجموعة واسعة من الفوائد الصحية:

 مضاد قوي للالتهابات

الالتهاب هو استجابة طبيعية وضرورية للجسم عند الإصابة أو العدوى، ولكنه عندما يصبح مزمنًا، يمكن أن يؤدي إلى العديد من الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب، السرطان، متلازمة الأيض، الزهايمر، والتهاب المفاصل.

  •  دراسات وتجارب ناجحة: أظهرت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Medicinal Food عام 2009 أن الكركمين فعال بنفس فعالية بعض الأدوية المضادة للالتهاب في حالات التهاب المفاصل الروماتويدي. كما وجدت مراجعة منهجية وتحليل تلوي لعدة دراسات عام 2016 أن مكملات الكركمين يمكن أن تقلل بشكل كبير من الألم والتورم لدى مرضى التهاب المفاصل العظمي. يُعزى هذا التأثير إلى قدرة الكركمين على تثبيط جزيئات الالتهاب مثل NF-kB.

 مضاد أكسدة فعال

تُعد الجذور الحرة جزيئات غير مستقرة يمكن أن تُسبب ضررًا للخلايا وتُساهم في الشيخوخة والعديد من الأمراض. مضادات الأكسدة تحمي الجسم من هذا الضرر.

  • دراسات وتجارب ناجحة: يُعد الكركمين مضاد أكسدة قويًا بحد ذاته، فهو قادر على معادلة الجذور الحرة. بالإضافة إلى ذلك، يحفز الكركمين إنتاج الإنزيمات المضادة للأكسدة الطبيعية في الجسم، مما يوفر خط دفاع مزدوج ضد الضرر التأكسدي. دراسة نُشرت في Free Radical Biology and Medicine عام 2004 أثبتت هذه القدرة المزدوجة للكركمين.

 دعم صحة الدماغ

يُعتقد أن الكركمين له دور في تحسين صحة الدماغ والوظائف الإدراكية.

  •  دراسات وتجارب ناجحة: أظهرت بعض الأبحاث أن الكركمين يمكن أن يزيد من مستويات عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، وهو هرمون نمو يُشارك في نمو الخلايا العصبية ويُعتقد أنه يلعب دورًا في الذاكرة والتعلم. انخفاض مستويات BDNF يرتبط بأمراض مثل الاكتئاب والزهايمر. دراسة سريرية صغيرة نُشرت في American Journal of Geriatric Psychiatry عام 2017 أشارت إلى تحسن في الذاكرة والمزاج لدى كبار السن الذين تناولوا مستخلص الكركمين. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث الواسعة لتأكيد هذه النتائج.

 تقليل خطر الإصابة بأمراض القلب

تُعد أمراض القلب السبب الرئيسي للوفاة في جميع أنحاء العالم. يُعتقد أن الكركمين يمكن أن يُساهم في صحة القلب بعدة طرق.

  •  دراسات وتجارب ناجحة: يُحسّن الكركمين وظيفة البطانة الداخلية للأوعية الدموية (البطانة الغشائية)، والتي تُعد ضرورية لتنظيم ضغط الدم وتخثر الدم. أظهرت دراسة نُشرت في Nutrition Research عام 2012 أن الكركمين فعال مثل التمارين الرياضية في تحسين وظيفة البطانة الغشائية لدى النساء بعد سن اليأس. كما يمكن أن يُساعد في تقليل الكوليسترول الكلي والكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية.

 محاربة السرطان

تُشير العديد من الدراسات المخبرية والحيوانية إلى أن الكركمين له خصائص مضادة للسرطان، حيث يمكنه أن يؤثر على نمو السرطان وتطوره وانتشاره على المستوى الجزيئي.

  •  دراسات وتجارب ناجحة: وُجد أن الكركمين قادر على قتل الخلايا السرطانية، وتقليل تكوين الأوعية الدموية الجديدة في الأورام (تكوين الأوعية الدموية)، ومنع انتشار السرطان (النقائل). ومع ذلك، تُعد هذه الأبحاث في مراحلها الأولية، ومعظمها أجري على الحيوانات أو في أنابيب الاختبار. لا تزال هناك حاجة لدراسات سريرية بشرية واسعة لتحديد مدى فعالية الكركمين كعلاج للسرطان لدى البشر.

مفيد لمرضى السكري

  •  دراسات وتجارب ناجحة: تشير بعض الأبحاث إلى أن الكركمين قد يُساعد في تحسين حساسية الأنسولين وتقليل مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري من النوع 2. وجدت دراسة نُشرت في Diabetes Care عام 2012 أن مكملات الكركمين قللت من خطر الإصابة بالسكري من النوع 2 لدى الأفراد المعرضين للخطر.

كيفية استخدام الكركم في الطب البديل

يمكن دمج الكركم في روتينك اليومي بعدة طرق:

  •  إضافته إلى الطعام: يُمكنك إضافة مسحوق الكركم إلى الأرز، الحساء، الخضروات المطهوة، أو حتى العصائر. تذكر أن إضافة رشة من الفلفل الأسود تزيد من امتصاص الكركمين بشكل كبير.
  •  شاي الكركم: قم بغلي الماء ثم أضف ملعقة صغيرة من مسحوق الكركم، قليلًا من الفلفل الأسود، وربما شريحة زنجبيل أو عصير ليمون لتحسين النكهة.
  •  الحليب الذهبي (Golden Milk): مشروب شهير يُحضّر بمزج حليب (بقري أو نباتي) مع الكركم، القرفة، الزنجبيل، الفلفل الأسود، وقليل من العسل أو شراب القيقب.
  •  المكملات الغذائية: تُتوفر مكملات الكركمين في صورة كبسولات، وغالبًا ما تحتوي على البيبرين لتعزيز الامتصاص. عند اختيار المكملات، ابحث عن المنتجات التي توفر نسبة عالية من الكركمين القياسي والتي تُنتجها شركات ذات سمعة جيدة.


الأسئلة الشائعة حول الكركم

 هل الكركم آمن للاستخدام؟

بشكل عام، الكركم آمن لمعظم الأشخاص عند تناوله بكميات معتدلة في الطعام. أما بالنسبة للمكملات الغذائية، فهي آمنة عند استخدامها بالجرعات الموصى بها. ومع ذلك، قد يُسبب الكركم آثارًا جانبية خفيفة لدى بعض الأشخاص، مثل اضطرابات الجهاز الهضمي الخفيفة (غثيان، إسهال).

 هل يتعارض الكركم مع الأدوية؟

نعم، قد يتفاعل الكركم مع بعض الأدوية، خاصة:

  •  مضادات تخثر الدم (مخففات الدم): قد يزيد الكركم من خطر النزيف.
  •  أدوية السكري: قد يخفض الكركم مستويات السكر في الدم بشكل مفرط.
  •  أدوية تقليل حموضة المعدة: قد يؤثر الكركم على فعاليتها.

   لذلك، إذا كنت تتناول أي أدوية، استشر طبيبك قبل البدء في استخدام مكملات الكركم.

 هل يمكن للحوامل والمرضعات تناول الكركم؟

لا يُنصح بتناول مكملات الكركم بجرعات عالية للنساء الحوامل أو المرضعات بسبب نقص الدراسات الكافية حول سلامته في هذه الحالات. أما الكميات الموجودة في الطعام فهي آمنة بشكل عام.

 ما هي الجرعة الموصى بها من مكملات الكركمين؟

تختلف الجرعات الموصى بها حسب المنتج والتركيز. من الأفضل دائمًا اتباع التعليمات الموجودة على ملصق المنتج أو استشارة أخصائي الرعاية الصحية.

 هل الكركم هو الحل الوحيد للأمراض المزمنة؟

لا. على الرغم من فوائده العديدة، الكركم ليس علاجًا سحريًا. يجب استخدامه كجزء من نمط حياة صحي ومتوازن يشمل نظامًا غذائيًا سليمًا، وممارسة الرياضة بانتظام، واستشارة الأطباء المختصين. لا يُمكن للكركم أن يحل محل العلاجات الطبية التقليدية لأي حالة صحية خطيرة.

كلمة أخيرة

يُعد الكركم إضافة قيمة لأي نظام حياة صحي، وبخاصة في مجال الطب البديل، بفضل خصائصه المضادة للالتهابات ومضادات الأكسدة القوية. ومع تزايد الاهتمام بالحلول الطبيعية، يستمر البحث العلمي في كشف المزيد عن إمكانات هذا الذهب الأصفر. ولكن تذكر دائمًا، قبل البدء في استخدام أي مكمل غذائي، بما في ذلك الكركم، من الضروري استشارة طبيبك أو أخصائي الرعاية الصحية، خاصة إذا كنت تعاني من حالات صحية مزمنة أو تتناول أدوية معينة.

هل تفكر في دمج الكركم في روتينك اليومي؟ وما هي أسئلتك الأخرى حول هذا النبات المعجزة؟


المراجع العلمية:

تعليقات

عدد التعليقات : 1